قصص وعبر
عبد الله بن الزبير، وقصته مع دم الرسول صلى الله عليه وسلم.
إعداد وتقديم: شانكس ^^
عبد الله بن الزبير بن العوام صحابي جليل، بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن سبع سنين أو ثمان، بأمر من أبيه الزبير، وقد تَبَسَّمَ رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآه مُقْبِلاً إليه، ثم بايعه...
لقد سبق لي أن ذَكَرْتُ في القصة الماضية خُشُوعَ عبد الله بن الزبير رضي الله عنه، في الصلاة، وهذه قصة أخرى تتعلق بنفس الصحابي، عنونتها بــــــ: "عبد الله بن الزبير، وقصته مع دم الرسول صلى الله عليه وسلم". وهي معروفة، مبثوثة في كتب السنة، والحديث، والسيرة النبوية وغير ذلك...سأوردها ضمن هذا السياق.
قصة شربه لدم الرسول صلى الله عليه وسلم !!:
عن عامر بن عبد الله بن الزبير، قال: سمعت أبي يقول: "إنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يحتجم، فلما فرغ، قال: "يا عبد الله ! اذهبْ بهذا الدم فأهْرقْهُ حيثُ لا يراك أحد"، فلما برز عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عمد إلى الدم، فشربه !!فلما رجع، قال: "ما صنعت بالدَّم؟". قال: عمدتُ إلى أخفى موضع علمتُ، فجعلتُه فيه. قال: "لعلَّك شربته؟" قال: نعم. قال: "ولم شربت الدم؟ ويلٌ للناس منك، وويلٌ لك من الناس"([1]).
وفي رواية: قال ابن كثير: "وقد رُوي من غير وجه أن عبد الله بن الزبير شرب من دم النبي صلى الله عليه وسلم: "كان النبي صلى الله عليه وسلم قد احتجم في طست فأعطاه عبد الله بن الزبير ليريقه فشربه !! فقال له صلى الله عليه وسلم: "لا تمسُّك النار إلا تَحِلَّةَ القَسَمِ، وويلٌ لك من الناس، وويل للناس منك".
وفي رواية أخرى: أنه قال له: "يا عبد الله اذهب بهذا الدم فأهريقهُ حيث لا يراك أحد" فلمّا بَعُدَ عمد إلى ذلك الدم فشربه، فلما رجع قال: "ما صنعتَ بالدم؟".
قال: إني شربتُه لأزداد به علماً وإيماناً، وليكون شيء من جسد رسول الله صلى الله عليه وسلم في جسدي، وجسدي أولى به من الأرض !! فقال: "أبشر لا تمسُّك النارُ أبداً. وويلٌ لَكَ مِنَ النَّاسِ وَوَيْلٌ لِلنَّاسِ مِنْكَ".
قال موسى التَّبوذَكي: فحدَّثْتُ به أبا عاصم، فقال: كانوا يَرَوْنَ أنَّ القوَّة التي به من ذلك الدَّم.([2])
العبر المستفادة من هذه القصة:
1- مزيَّةُ رواية الأبناء عن الآباء، ونجد أحيانا روايةَ الأبناء عن الآباء عن الأجداد؛ هي مزيَّةٌ عُظْمَى، ونعمة كبرى.
وفي هذا الصدد نجد كثيراً من الصحابة قد رووا عن آبائهم أحاديث كثيرة رضي الله عنهم أجمعين.
2- كان الرسول صلى الله عليه وسلم يَعُدُّ الاحتجام نوعاً من العلاج المتعارف عليه آنذاك، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في شأنه: "الشِّفاء في ثلاثةٍ: شَرْبَةِ عسَلٍ، وشَرْطَةِ مِحْجَمٍ، وَكَيَّةِ نَارٍ، وأَنْهَى أُمَّتِي عنِ الكَيِّ".([3])
3- من خالف أوامر النبي صلى الله عليه وسلم يَسْتَحِقُّ اللَّوم والعِتاب، وقد ينشأ عن تلك المخالفة ضَرَرٌ في الحال أو في المآل.
4- إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بشيء قد يقع مستقبلا، وفعلا قد وقع لسيدنا عبد الله بن الزبير ما أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك من عَالَمِ الغَيْب الذي يُطْلِعُ الله عليه أنبياءَهُ وَرُسُلَهُ، تطبيقا لقوله تعالى: (عَالِمُ الغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ على غَيْبِهِ أَحَداً إلاَّ مَن ارْتَضَى مِنْ رَسُول...).([4])
5- حصول الفوز وعظيم الرتبة لجماعة من الصحابة نالوا مزيَّة الصحبة، وشرَف الخدمة للنبي صلى الله عليه وسلم ، ومنهم عبد الله بن الزبير رضي الله عنه.
6- بشارة النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن الزبير بأن النار لا تمسُّه أبداً، وتعني البشارة: أنه من أهل الجنة.
7- التماس عبد الله بن الزبير بركة النبي صلى الله عليه وسلم ، بإدخال جزء من ذاتِهِ الشريفة في بدنه، ليزداد عِلْماً وإيماناً، فكان له ما أراد من العلم والمعرفة، ومن القوَّة الجسمية، ومن الصَّلابة في التمسُّك بالحق ونشره رضي الله عنه.
والحمد لله رب العالمين.